أخبار عالميّة في شهادة نادرة، مهاجر مغربي يروي: في ليبيا، لك حرية الاختيار بين الموت بالسلاح او غرقا في البحر
يعيش عدد كبير من المهاجرين الأفارقة في ليبيا تحت خط الإنسانية ويواجهون أشكالا مختلفة من العنف والتعذيب والظلم في بلد بات مرتعا للميليشيات المسلحة والدواعش يوحدهم جميعهم فعل "إضطهاد الإنسانية".
بلباس رياضي خفيف في طقس بارد بمدنين جنوب تونس، وبنعل مهترئ يحمل حكاية شاب مغربي إبن الـ34 ربيعا، يتكئ محمد المغربي (لقب مستعمل لحماية معطياته الشخصية) على حائط مبيت المهاجرين بطريق بني خداش من ولاية مدنين وملامح وجهه تلخص تفاصيل معاناة ليالي ليبية.
موقع الجمهورية زار مبيب المهاجرين وسط مدينة مدنين حيث إلتقى بمحمد ومجموعة أخرى من المهاجرين غير الشرعيين الذين أنقذهم جيش البحر التونسي يوم الخميس الماضي وتسلمهم الهلال الأحمر بالجهة بعد إستيفاء الحرس البحري بجرجيس إجراءاته الأمنية.
من أجل لقمة العيش يذهبون إلى ليبيا.. من المغرب إلى ليبيا، سافر محمد للعمل في صناعة الجبس لشركة رائدة في المجال بحثا عن لقمة العيش بعد أن استعصى عليه العمل في بلده الأم وضاقت به سبل العيش الكريم كما يقول.
يقصّ المغربي -بعد أن أخذنا موافقته- دوافع هروبه من ليبيا عبر البحر وشكل الحياة فيها، "وصلت إلى ليبيا منذ شهرين للعمل ولم أتحصل على أجر مقابل ما قدمته من خدمات، بدأت معاناتي لما طالبت بمستحقاتي المالية".
أجمع كل من نجوا مع من البحر في حديثهم معنا أن الحقوق تفتك في ليبيا بالقوة وأن الاستغلال هو سيد الأعمال هناك، حيث تقوم الميليشيات المسلحة بتعنيف وضرب الأجير إذا بدأ في التحرك للمطالبة بحقوقه، وقد يصل الأمر أحيانا إلى حد تلفيق التهم والإيداع بالسجن. عناصر الميليشيات هم أنفسهم أرباب العمل وجميعهم يملكون السلاح "حتى أصبح هذا الشيء المدمر عنوانا للقوة والجبروت ويستعمل دون سبب.. يقتلون به من يخالفهم" هكذا يصف محمد ما يقع للمهاجرين في ليبيا.
حرية الموت فقط في ليبيا
"في ليبيا، لك فقط حرية الاختيار بين الموت بالسلاح أو الموت عبر البحر"، البحر وفق محمد كان خياره للحياة هربا من بطش السلاح. ففي أغلب ولايات ليبيا كما حدثنا الشاب المغربي الحرية الوحيدة تتجسد في اختيار طريقة الموت بعد السجن والتعذيب والضرب. سكت محمد لبرهة يسترجع أوجاع تلك الأيام وليالي الرعب كما وصفها مواصلا "أوقفوني عند مداهمتهم لمنزلي بعد إنقطاعي عن العمل لعدم حصولي على مستحقاتي المالية، ثم اقتادوني إلى خندق تحت الأرض لم أستطع رؤية شيء لظلمته، وهناك تعرضت إلى التعذيب: ضرب وشتم وركل وكلام جارح ونابي".
بأحد السجون الليبية بقي محمد المغربي لأيام سجينا بعد أن إتصل سجانوه بعائلته يطلبون فدية بألفي أورو أي ما يعادل 6 ألف دينار تونسي، وفي تلك الفترة عاش محمد في غرفة بالسجن تفتقر لأبسط مقومات الحياة من إنارة وماء وأكل وشرب.
في ليبيا، وحسب ما استخلصناه من مختلف الشهادات التي وثقناها، يفقد المهاجر هويته، لا جواز سفر ولا وثائق هوية.. فالعرب من أصحاب البشرة البيضاء يُعنفون ويطلق سراحهم مقابل فدية ترتفع قيمتها حسب الجنسية، أما أصحاب البشرة السوداء فيباعون ويساقون كالعبيد وتزهق أرواحهم لبيع أعضائهم للمافيات النافذة في العالم، أما النساء فيستعملون كجواري ثم يساقون الى عالم الدعارة ولا خيار لهن بعد انتهاء مهمتهن إلا الموت عبر البحر.
لحظات الموت عبر البحر
مئات المهاجرين أُنقذوا من الموت في البحر من طرف العائمات البحرية لجيش البحر التونسي ووراء كل مهاجر غير شرعي قصة، فمحمد كما حدثنا لم يكن يرنو الهجرة الى إيطاليا وإنما أجبر على ركوب القارب مع عدد آخر يقودهم مُلثم مدجج بسلاح كلاشينكوف وعدد لا بأس به من قنابل الرمانة، ومنه إلى مركب آخر حيث يتم تجميعهم مع مهاجرين من مختلف الجنسيات في مركب صغير ويتركون في البحر يواجهون قدرهم "إما الموت أو الوصول إلى مرفئ آمن".
محمد المغربي، عبد السلام لعباد من المغرب، لابالا من نيجيريا وغيرهم نجوا من الموت بأعجوبة مرتين أو ثلاث أو أكثر من ذلك، من همشية الميليشيات ومن بطش السلاح ومن خطر البحر لتتعدد الروايات وتتنوع حكايات المهاجرين الذين تفرقهم الجنسيات وتجمعهم الوقائع.
في الحياة بليبيا عودة للرق والعبودية وتجارة الأعضاء والدعارة، قوارب الموت التي تضيع في البحر وتغرق مخفية معها حقائق صادمة من ليبيا الاستغلال، ننقل بعضها كلما نجا أحدهم.
وفي ختام حديثه قبل أن يتركنا ويعود إلى غرفته، أسر لنا محمد أنه يرغب في العودة إلى المغرب في أقرب الأجال مقدما كل الشكر للجيش التونسي الذي أنقذه ورفاقه من موت محقق.
نعيمة خليصة